في الآونة الأخيرة، اصبحت تصادفنا تعليقات عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن الحج والعمرة من قبيل: “هنيئًا لأمريكا بهذه الأموال!” أو “مبروك لترامب!”. دفعني هذا الفضول للبحث والتحقق من مدى صحة هذه الادعاءات، مستندًا إلى الأرقام والمعطيات الرسمية سنقوم بسردها .
عائدات الحج والعمرة: أرقام وموازنات
أشارت تقارير إعلامية واقتصادية إلى أن عائدات المملكة العربية السعودية من الحج والعمرة في عام 2023 بلغت نحو 12 مليار دولار، (المصدر: الهيئة العامة للإحصاء السعودية، 2023).
ومن المتوقع أن تصل هذه العائدات إلى 150 مليار ريال سعودي سنويًا (أي حوالي 40 مليار دولار) بحلول عام 2030 ضمن رؤية السعودية 2030.
لكن لا ينبغي تجاهل التكاليف الضخمة التي تتحمّلها المملكة في سبيل تنظيم الحج. على سبيل المثال، قدّرت ميزانية مشاريع البنية التحتية وتوسعة الحرم المكي والمشاريع المرتبطة بالحج بما يفوق 100 مليار دولار خلال السنوات الماضية ([المصدر: وزارة الحج والعمرة السعودية]).
ويشمل ذلك توسعة الحرم، تطوير قطار المشاعر، تجهيزات لوجستية، وتحديثات أمنية وصحية وتقنية ضخمة.
وقدّرت بعض الدراسات أن تكاليف تنظيم موسم الحج سنويًا تتجاوز 16 مليار دولار، وهو ما يتقارب مع أو يفوق أحيانًا العائدات المباشرة، مما يُظهر أن الهدف الأساسي ليس ربحيًا بحتًا.
مساهمة الحج في الاقتصاد السعودي:
تشير بيانات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي إلى أن إجمالي الناتج المحلي للسعودية في عام 2024 يُقدّر بحوالي 1.1 تريليون دولار. وتُساهم الأنشطة المرتبطة بالحج والعمرة بما لا يتجاوز 3-4٪ من الناتج المحلي، في حين يشكّل النفط نحو 23٪ من الناتج المحلي، أي ما يعادل أكثر من 250 مليار دولار أمريكي سنويًا، مما يجعله المصدر الأول للدخل الوطني (المصدر: صندوق النقد الدولي، 2024).
بالتالي، القول إن الحجاج “يمولون أمريكا” أو حتى أن السعودية تعتمد عليهم بشكل أساسي هو قول يفتقر إلى الدقة الاقتصادية.
التكنولوجيا… والازدواجية في النقاش
من المفارقات أن العديد من المنتقدين للحج من منظور اقتصادي، يعبّرون عن آرائهم من خلال منصات أمريكية مثل فيسبوك (جزء من شركة Meta)، وتويتر (X)، ويوتيوب، وغيرها.
وهنا دعنا نقوم بمقارنة:
• إيرادات شركة ميتا (فيسبوك وإنستغرام وواتساب) لعام 2024 بلغت نحو 133 مليار دولار.
• إيرادات شركة غوغل (ألفابت) قدرت بحوالي 348 مليار دولار.
• إيرادات شركة آبل بلغت أكثر من 395 مليار دولار في 2024، وهي الشركة التي تُستخدم أجهزتها من قبل الملايين في العالم الإسلامي.
فإذا كان الدافع الحقيقي وراء التعليقات هو القلق من أن الأموال تذهب إلى شركات أو دول بعينها، فالأجدر أن يُطرح هذا التساؤل أولًا على أدوات الحياة الرقمية اليومية التي تستهلك وقتنا وبياناتنا وأموالنا بلا توقف.
كلمة أخيرة:
من الطبيعي أن يشعر البعض بالغضب أو الحسرة مما يجري في غزة، وأن يحاولوا التعبير عن غضبهم عبر وسائل مختلفة. لكن من غير المنصف أن يُحمّل الحج – وهو ركن من أركان الإسلام – مسؤولية سياسية أو اقتصادية لا علاقة له بها .
الحج شعيرة دينية عظيمة، فرضها الله على من استطاع إليه سبيلًا، وعلينا أن نفرّق بين الواقع السياسي والعبادات التي لا تُقاس بمقاييس الربح والخسارة والحاج هو ذاهب في رحلة ايمانية لبيت الله التي اختار ربنا سبحانه وتعالة مكانها و ليس للحاج اي علاقة بالتجاذبات السياسية . والأهم أن نتحرى الدقة قبل الوقوع في فخ الفتنة أو تبني خطاب يسهم في تشويش الصورة لدى الناس.
مقال بإمضاء فاعل خير
اللهم ارزقنا جميعًا زيارة بيتك الحرام والوقوف بعرفة، وتقبّل منّا ومنكم صالح الأعمال
(edited)
